powered by Fortec AG

غضّ الطرف لا يُجدي نفعًا

أسباب انقطاع الكهرباء في إسبانيا

14 يوليو 2025، الساعة 10:00 صباحًا | هاينز أرنولد
صرّح الدكتور مايكل فيتي، المدير التنفيذي لشركة Fette Dynamics، قائلاً: "يتم اعتماد وحدات الطاقة تحت ظروف معملية مثالية، إلا أن واقع الشبكة يختلف تمامًا، ما يجعل أداء هذه الوحدات المعتمدة في الواقع مختلفًا عن أداءها في الاختبارات. لهذا السبب، نحتاج إلى الاعتماد على الحوسبة الطرفية داخل مواقع التشغيل. الاستمرار في تطبيق الإجراءات التقليدية على الشبكات الحديثة لا يعزز الحماية، بل يزيد من المخاطر!"
© Fette Dynamics

نشرت الحكومة الإسبانية مؤخرًا تقريرًا وضح أسباب انقطاع الكهرباء الذي وقع في 28 أبريل. ورغم ذلك، لم يتطرق التقرير إلى الأسباب الحقيقية، رغم أنها باتت معروفة للجميع.

في التقرير الذي حُجبت أجزاء منه بشأن الانقطاع الكارثي – والذي تسبب بخسائر قُدّرت بمليارات اليورو – تم التطرّق إلى بعض العوامل التي ساهمت في انقطاع التيار الكهربائي، دون تقديم بيانات دقيقة أو تحميل أي جهة مسؤولية واضحة عن الحادث.

وبحسب ما ورد في التقرير، بدأ الانقطاع بسبب فشل في محطة تحويل كهرباء بمدينة غرناطة، تبعه خلال ثوانٍ قليلة انقطاعان آخران في كل من باداخوز وإشبيلية. ومنذ تلك اللحظة، انطلقت سلسلة من الإغلاقات الطارئة، ما أدى إلى انهيار الشبكة الكهربائية الإسبانية بالكامل.

ما لم يذكره التقرير

يشير التقرير أيضًا إلى أن منظمة ENTSO-E قد رصدت تذبذبات في الطاقة والتردد – المعروفة أيضًا بالاهتزازات – ضمن شبكة الكهرباء الأوروبية بالكامل، وذلك قبل نحو نصف ساعة من وقوع الانقطاع. ومع ذلك، لم يوضح التقرير ما إذا كانت هذه التذبذبات قد لعبت دورًا في التسبب بالانقطاع، كما أنه لم يشر إلى أي آثار محتملة لها، تاركًا الأمر مفتوحًا دون تفسير.

من جانبه، عبّر البروفيسور الدكتور مايكل فيتي، المدير التنفيذي لشركة Fette Dynamics وأحد أبرز الخبراء في مجال استقرار شبكات النقل والتوزيع، عن استغرابه من محتوى التقرير، مؤكدًا أن الأسباب الحقيقية وراء الانقطاع ليست جديدة ولا غامضة – بل معروفة منذ زمن.

ما الجديد...

ما يُعد تطورًا جوهريًا خلال العشرين عامًا الماضية هو التكامل المتزايد بين مزوّدي الطاقة والأحمال المعتمدة على محولات الطاقة، وهو ما غيّر خصائص الشبكة بشكل جذري. يُعد التوسع الكبير في مصادر الطاقة المتجددة من أبرز العوامل التي ساهمت – بلا شك – في انقطاع الكهرباء في إسبانيا، خصوصًا في ظل اعتماد جنوب البلاد بشكل أساسي على الكهرباء المولدة من محطات الطاقة الكهروضوئية. وقد تجلّى هذا الاعتماد بوضوح في أحداث يوم 28 أبريل.

 الطاقة المتجددة بريئة: أين تكمن المسؤولية؟

في الواقع، المبادئ الفيزيائية التي تشرح كيفية عمل شبكة كهرباء تعتمد بنسبة عالية على محطات الطاقة الكهروضوئية ليست بالأمر الجديد. فـ"المذنب" هنا ليس محطات الطاقة الشمسية بحد ذاتها، ولا طاقة الرياح أو البطاريات، ولا حتى مصادر الطاقة المنتشرة في المصانع والمنازل. المشكلة الحقيقية تكمن في أن هذه الأنظمة تم دمجها في الشبكة بأعداد كبيرة، دون اتخاذ الإجراءات الفنية الضرورية لمواكبة هذا التغيير.

وبسبب ذلك، بدأت تظهر ما يُعرف بـ"الديناميكيات غير الخطية"، والتي تؤدي إلى تعقيدات كبيرة في استقرار الشبكة. وهذا يعني أن القواعد التقليدية التي كانت تُستخدم لعقود لم تعد فعالة، وأنه بات من الضروري اعتماد أساليب جديدة لتثبيت الشبكة، بل وإعادة بناء بعض أجزائها من الأساس.

لديناميكيات غير الخطية بدأت تؤثر بشكل واضح

يمكن أن تنشأ الديناميكيات غير الخطية نتيجة عدة عوامل، وهي ليست ظاهرة جديدة تمامًا، إذ كانت موجودة بالفعل في الشبكات التقليدية.

لكن في السابق، لم تكن تُسبب مشكلات حقيقية بسبب الخصائص الهيكلية للشبكات القديمة، حيث وفّرت الكتل الدوّارة (مثل التوربينات التقليدية) قدرة طبيعية على امتصاص الصدمات، ما منح الشبكة قوة ذاتية للاتزان والتعافي. إضافة إلى ذلك، كانت الشبكات أكثر تجانسًا، وهو ما ساعد في تقليل الأحمال غير المتوازنة. أما على مستوى النقل، فكانت تُستخدم تقنيات مثبتات النظام الكهربائي (Power System Stabilizer – PSS) للتقليل من التذبذبات بين الأنظمة التي تعمل بترددات منخفضة جدًا، مما عزز من استقرار الشبكة في ظروف التغيير.

إمكانات التدمير الكامنة في الديناميكيات غير الخطية

رغم أن الديناميكيات غير الخطية كانت دائمًا موجودة في شبكات الكهرباء العاملة بتردد 50 هرتز، إلا أنها غالبًا ما كانت تُخفف بشكل فعّال، ولم تظهر آثارها إلا في حالات استثنائية.

يستشهد الدكتور مايكل فيتي بحالة لافتة حدثت قبل سنوات، حين أنشأت شركة Thyssen-Krupp مصنعًا جديدًا للصلب في البرازيل. كان من المخطط تشغيل آلة ضخمة بقدرة 17 ميجاوات، ولكن عند بدء التشغيل، دمرت الآلة نفسها بالكامل.

في البداية، بدا الأمر غامضًا. يقول فيتي: "عندما تفحصنا الآلة بعد الحادث، لاحظنا تآكلًا شديدًا في التروس، بل وُجدت ثقوب في أماكن متعددة. من الواضح أن تيارات كهربائية هائلة، ربما في نطاق الكيلو أمبير، قد مرّت عبرها!"

اللافت أن نمط الأضرار كان منتظمًا بشكل واضح، ما أشار إلى أن السبب هو تيار متردد منخفض التردد. وقد تم بالفعل قياس تيار بتردد أقل من 0.01 هرتز – وهو قريب جدًا من التيار المستمر، ما يؤكد أن الظواهر غير الخطية كانت السبب.

الطريف أن هذه الحادثة لم تكن ناتجة عن مصادر طاقة متجددة كما هو الحال في الشبكات الحديثة، بل عن مصدرين للطاقة بجهد 138 كيلوفولت، حيث تسببت قصرات أرضية في حدوث اقتران بين المصدرين، مما أدى إلى انحرافات زاوية صغيرة وتدفق تيارات منخفضة التردد. بما أن الشبكة فقدت تماثلها، ظهرت هذه التأثيرات المدمرة.

تم التعرف على السبب، وكان الحل في تحسين نظام التأريض، بالإضافة إلى نقل محطة تحويل لتحقيق الفصل الصارم بين مصادر الطاقة. بعد تنفيذ هذه الإجراءات، عاد النظام للعمل بكفاءة. ويؤكد فيتي أن هذا المثال يحمل رسالة مهمة للشبكات الحديثة:

في المستقبل، سيكون لنظم التأريض دور حاسم في استقرار الشبكات، خصوصًا مع الانتشار الواسع لأنظمة الطاقة المنزلية الصغيرة مثل الألواح الكهروضوئية على الشرفات. ويختتم قائلاً: "الشبكة لم تعد متماثلة كما كانت في الماضي، ولذلك سنحتاج إلى بُنى شبكية جديدة كليًا للتعامل مع هذه الظواهر!"

 

حتى في ذلك الوقت، كانت الطاقة المتجددة – مثل الطاقة الكهروضوئية وطاقة الرياح – في تزايد ملحوظ، ما انعكس مباشرة على استقرار الشبكات الكهربائية. يشرح الدكتور مايكل فيتي: "عندما تتصل العديد من وحدات تنظيم الجهد (Voltage Regulators) ببعضها البعض وتبدأ بالتأثير المتبادل، فإن ذلك يؤدي حتمًا إلى ظهور ديناميكيات غير خطية. وإذا تُركت دون تدخل، فإن هذه الأنظمة تبدأ بالتذبذب وقد تؤدي في النهاية إلى انقطاع التيار الكهربائي ."في السابق، كان عدد منظمات الجهد محدودًا، ما سمح بالتحكم الفردي بكل وحدة على حدة. لكن اليوم، آلاف من منظمات الجهد تتواصل وتتفاعل داخل الشبكة، ما يجعل عملية التحكم أكثر تعقيدًا.

أصبحت هذه الديناميكيات غير الخطية تمثل اليوم خطرًا حقيقيًا على استقرار الشبكة. ومع ذلك، فإن هذا التطور لم يكن مفاجئًا، بل كان واضحًا لجميع الخبراء في المجال. فلا يمكن أن يكون ذلك مجهولًا لأي مهندس كهربائي متمرس يعمل لدى مزوّدي الطاقة أو مشغّلي الشبكات. فكل من يعرف الأساسيات التقنية، يعرف أيضًا الإجراءات اللازمة لتثبيت الشبكة والحفاظ على توازنها. ورغم ذلك، يعمل هؤلاء الخبراء ضمن واقع معقّد يفرضه الوضع الحالي لقطاع الطاقة. وفي المحصلة، يبدو أن الجميع قد اختاروا غض الطرف عن المشكلة، على الرغم من إدراكهم لخطورتها المتصاعدة.

يمكن قياسها بالفعل... والاستعداد لها مسبقًا

لفهم أبعاد المشكلة الحالية، من المفيد العودة بالزمن إلى عام 2006. يقول الدكتور مايكل فيتي: "في ذلك الوقت، كنت أعمل بالتعاون مع شركة A. Eberle على تطوير جهاز يُتيح التحذير المبكر من احتمالية حدوث انهيار أو انقطاع في الشبكة. الفكرة كانت أن يُمنح مشغلو الشبكة وقتًا كافيًا لاتخاذ إجراءات مضادة فعالة قبل تفاقم الوضع." ويضيف: "الأهم من ذلك كله هو تهدئة الشبكة في المرحلة الأولى – هذه الخطوة هي الأساس لاستعادة الاستقرار."

بالتعاون مع شركة A. Eberle، قام الدكتور مايكل فيتي بتطوير جهاز متقدم يُستخدم لقياس استجابة التردد في الشبكة بشكل مستمر ودقيق. تُدمج نتائج هذه القياسات ضمن منظومة المراقبة الدائمة للشبكة، مما يتيح تحليل ديناميكيات الشبكة بشكل فوري، وبالتالي تمكين المشغلين من اتخاذ الإجراءات المناسبة في الوقت المناسب. وفي عام 2007، تم إطلاق الجهاز المطوّر في السوق تحت اسم Collapse Prediction Relay D (CPR-D). ما يميّز جهاز CPR-D هو أنه لا يقتصر على قياس تردد 50 هرتز فقط، بل يمتد أيضًا إلى النطاقات ذات الترددات المنخفضة للغاية، والتي تُعد أساسية لرصد وفهم الديناميكيات غير الخطية التي قد تؤدي إلى اختلالات كارثية في الشبكة (انظر المثال الموضح في المربع النصي).

يُعد جهاز CPR-D أداة حاسمة في التحذير من انهيار وشيك في الشبكة، بل ويمكنه أيضًا الاستجابة في حال حدوث انهيار فعلي، من خلال إيقاف أو تنشيط أجهزة التحكم بشكل منسّق. تكمُن أهمية هذا التنسيق في أن أجهزة التحكم غير المتزامنة قد تؤدي إلى تحميل مفرط على الخطوط الكهربائية، مما يطلق سلسلة من التفاعلات المتتالية قد تُفضي إلى فقدان السيطرة على الشبكة بالكامل. وليس هذا فقط، بل يمكن للجهاز أيضًا تفعيل أنظمة التحكم الذكية بعد الانهيار، بهدف التحضير لاستعادة استقرار الشبكة في أقرب وقت ممكن – مما يجعله أداة أساسية في كل من الوقاية والمعالجة.

عند إصدار جهاز CPR-D لتحذير مبكر، يمكن لمشغّلي الشبكة تقييم ما إذا كانت الشبكة تتجه نحو الاستقرار أو نحو الانهيار. وفي هذه الحالة، يصبح بالإمكان اتخاذ قرارات استراتيجية بشأن الإجراءات التصحيحية المناسبة، مثل: تخفيف الحمل– اعتمادًا على طوبولوجيا الشبكة والظروف المحيطة الأخرى، من أجل توجيه الشبكة نحو الاستقرار.

وتُتخذ هذه التدابير بناءً على طوبولوجيا الشبكة والظروف المحيطة، بهدف إعادة توجيه النظام نحو وضع مستقر. اللافت أن هذا الجهاز كان متاحًا منذ عام 2007، ويوفّر مرونة عالية لمشغلي الشبكات، إذ يمكن استخدامه في أي نقطة من الشبكة للمساعدة في منع انقطاع التيار وتجنّب الخسائر المادية الجسيمة. يقول الدكتور فيتي بأسف: "كنا نظن أن مشغلي الشبكات سيتسابقون على اقتناء أجهزة CPR. لكن للأسف، حدث العكس تمامًا."

... ولكن لا أحد يرغب في النظر عن كثب

على الرغم من أن مشغلي الشبكات كانوا يدركون جيدًا مزايا أجهزة الإنذار المبكر مثل جهاز CPR-D، فإنهم كانوا أيضًا مطالبين بإدارة مصالحهم الاقتصادية. تركيب الجهاز بحد ذاته لا يُمثّل عبئًا كبيرًا، ولكن الإشكالية تبدأ عندما تُشير بيانات الجهاز إلى ضرورة اتخاذ تدابير استقرار فعلية، وهي إجراءات قد تتطلب تكاليف عالية وتدخّلات تقنية معقدة. وهنا يبرز السؤال المحوري: من سيتحمّل هذه التكاليف؟

في ظل هذا الغموض، يخشى العديد من المشغلين أن يُلقى عليهم عبء التمويل، ما يدفعهم لتجنّب الدخول في التفاصيل الدقيقة أو اتخاذ إجراءات استباقية. يعلّق الدكتور فيتي على هذا الوضع قائلًا:

"إذا أعاد المشغلون تشغيل الشبكة بسرعة بعد انقطاع ما – وهو أمر يبدو وكأنه خارج عن إرادتهم – فإنهم يظهرون بمظهر الأبطال!"

وبالتالي، أصبح من المألوف أن يتجنّب الجميع النظر بعمق إلى ما يحدث داخل الشبكة، وترك الأمور تسير كما هي – حتى وإن كان ذلك على حساب الاستقرار الحقيقي.

الشبح في شبكة المدينة

واجهت شركة Stadtwerke Erfurt حالة غريبة في شبكة الكهرباء داخل المدينة. فقد بدأ عدد من العملاء بالإبلاغ عن مشاكل متكررة في جودة الإمداد الكهربائي في مناطق متفرقة، دون وجود سبب واضح. المثير أن هذه الاضطرابات كانت تظهر فقط بين الساعة 7 صباحًا و7 مساءً، ثم تختفي تمامًا في المساء – وكأن "شبحًا كهربائيًا" يزور المدينة نهارًا ويختفي ليلًا. لمعرفة السبب، تم استدعاء الدكتور مايكل فيتي، الذي أجرى قياسات في نطاق التردد المنخفض. وبالفعل، وجد التذبذب المطلوب عند 5.5 هرتز – وهو تردد غير نمطي ضمن الشبكة.

وبنظرة تحليلية، ربط الدكتور فيتي الأمر بمحطة غاز حيوي تقع خارج المدينة، كانت قد بدأت عملها مؤخرًا وكانت مرتبطة بنفس قضيب التجميع الذي يغذي شبكة المدينة. هذه المحطة كانت تُدخل مكوّن ترددي عند 5.5 هرتز. ومع بدء تشغيل أجهزة الكمبيوتر والأحمال المكتبية المتذبذبة في الصباح، بدأت تفاعلات متسلسلة في الشبكة، مسببة مشكلات جودة متكررة في مناطق متعددة. أما في المساء، ومع توقف هذه الأحمال، اختفت التفاعلات.

وكما كان متوقعًا، لم يكن الأمر "شبحًا"، بل مجرد ظاهرة فيزيائية مفهومة. الحل كان بسيطًا: تم نقل ربط محطة الغاز الحيوي إلى قضيب تجميع مختلف، فاختفت الديناميكيات غير الخطية، وتلاشت المشكلات معها بالكامل.

 

التجاهل لم يعد يجدي نفعًا

في ظل التغيرات العميقة التي تشهدها شبكات الطاقة حول العالم، لم يعد من الممكن تجاهل الديناميكيات غير الخطية. فهذه الظواهر، التي طالما تم التقليل من شأنها، أصبحت اليوم تؤثر على الجميع – كما حدث في الحالة الإسبانية. من هذا المنظور، يمكن القول إن كارثة انقطاع الكهرباء في إسبانيا جاءت في توقيت حاسم، لتهزّ المؤسسات المعنية من سباتها، وتثبت أن هذا النوع من الانقطاعات ليس قَدَرًا محتوّمًا، بل نتيجة يمكن تفاديها بالتقنية والاستباق.

يقول الدكتور مايكل فيتي: "في النمسا – أي على بُعد آلاف الكيلومترات من إسبانيا – تمكّنا عبر أجهزة CPR من رصد تذبذبات تلقائية في الشبكة الإسبانية قبل أربع ساعات من حدوث الانقطاع. كنّا نعلم أن هناك شيئًا كبيرًا على وشك الحدوث." ويضيف: في إسبانيا نفسها، كان من المفترض أن يرى مشغّل الشبكة Red Eléctrica هذه الإشارات بشكل أوضح، وكان عليه أن يتدخل في الوقت المناسب. لكن يبدو أنه لم يتم إجراء هذه القياسات على الإطلاق." وفي النهاية، استمرت التأثيرات غير الخطية في التفاقم لساعات دون تدخل، حتى بلغت نقطة الانهيار الكامل.

الخبراء لم يُفاجَأوا... ولكن التقرير يُوحي بالعكس

رغم أن المؤشرات الفنية كانت واضحة قبل ساعات من حدوث الانهيار، فإن تقرير الحكومة الإسبانية يعطي انطباعًا بأن شركة Red Eléctrica – مشغل شبكة الكهرباء – فوجئت بانقطاع التيار عن محطات التحويل قبل ثوانٍ من الانهيار الكامل، وكأن الأمر حدث طبيعي غير متوقع، ولم يكن بالإمكان فعل شيء لمنع سلسلة الانقطاعات التي تلت ذلك. ووفقًا لما ورد في التقرير، حددت Red Eléctrica بنفسها محطة تقع على هامش النظام كمصدر للخلل، وهو أمر يرى فيه الخبراء مبالغة واستخفافًا، إن لم يكن تضليلًا.

من ناحية أخرى، تشير بعض المعلومات إلى أن محطة توليد كهرباء في إسبانيا تم إيقافها في الساعة 8:30 صباحًا – أي قبل ساعات من الانقطاع. الدكتور مايكل فيتي لا يؤكد بشكل قاطع أن هذا هو السبب، لكنه يشير إلى أن ديناميكية الشبكة بدأت تتغير بوضوح منذ ذلك الوقت، ما يجعل الفرضية مرجحة. ويبدو أن التقرير الرسمي يركّز بالأساس على تجنّب مناقشة الأسباب الحقيقية التي كان من الممكن رصدها قبل وقوع الحادث بوقت طويل – ربما لتجنّب الإشارة إلى أطراف قد تُحمَّل لاحقًا مسؤولية مالية كبيرة. وفي هذا السياق، يعلّق فيتي قائلاً: "في جميع الأحوال، التقرير لم يطرح الأسئلة الحقيقية التي كان يجب طرحها."

انقطاع التيار الكهربائي: لم يكن مفاجئًا

الانقطاع الكبير للكهرباء الذي شهدته إسبانيا في 28 أبريل لم يكن مفاجئًا، لا من الناحية التقنية ولا من ناحية المؤشرات المسبقة. فالبلاد قطعت شوطًا كبيرًا في إعادة هيكلة شبكتها الكهربائية بالاعتماد على مصادر الطاقة المتجددة، وهو ما يُعد خطوة طموحة ومهمة في سياق التحول الطاقي.

لكن المشكلة تكمن في أنه لم تُتخذ التدابير الفنية اللازمة لمواكبة هذا التحول، رغم أنها ليست صعبة، بل تستند إلى قواعد معروفة في الفيزياء الكهربائية، كما بيّن الدكتور مايكل فيتي مرارًا في تحليلاته. ويؤكد فيتي:

"حوادث من هذا النوع وقعت مرارًا خلال الأسابيع التي سبقت الانقطاع الكبير، وهو ما يجعل ما حدث نتيجة متوقعة وليس مفاجئة."

بل إن انقطاعًا مشابهًا وقع في وقت قريب، حين حدث فصل كامل لشبكة الكهرباء في مصفاة تابعة لشركة ريبسول، بسبب تشغيل جهاز حماية من الجهد الزائد. لحسن الحظ، بقيت آثار الحادث محصورة محليًا، لأن العوامل التي تسببت في انهيار الشبكة في 28 أبريل لم تكن متجمعة في تلك الحالة. لكن في 28 أبريل، تضافرت الظروف السلبية جميعها، وفشلت الشبكة في امتصاص الصدمة – ما أدى إلى انهيار شامل في نظام الكهرباء الإسباني.

هل يمكن أن يتكرر السيناريو الإسباني في ألمانيا؟

السؤال الذي يطرح نفسه تلقائيًا بعد انقطاع الكهرباء في إسبانيا هو: هل يمكن أن تواجه ألمانيا المصير ذاته؟ وهل كان عدم وقوع انقطاع شامل حتى الآن مجرد مسألة حظ؟

يجيب الدكتور مايكل فيتي:

"أولًا، تعتمد ألمانيا على نسبة أقل من الطاقة الكهروضوئية مقارنة بإسبانيا، وثانيًا، تتميّز الشبكة الألمانية بقدرٍ أعلى من الترابط، مما يجعل مزيج الطاقة أكثر توازنًا في الوقت الراهن."

هذا لا يعني أن ألمانيا في مأمن تمامًا. نعم، الانهيارات المحلية لا تزال ممكنة، لكنها تُعالج عادةً داخل نطاق محدود، مما يجعل احتمال حدوث انهيار شامل مشابه لما حدث في إسبانيا منخفضًا نسبيًا... على الأقل في الوقت الحالي. لكن التحذير هنا واضح: "في الوقت الحالي" هو مصطلح مؤقت.

فالواقع أن الشبكة الألمانية تشهد تطورًا سريعًا نحو نفس الظروف التي تسود حاليًا في إسبانيا، وإذا لم تُتخذ التدابير اللازمة، فإن تكرار نفس السيناريو لن يكون مستبعدًا.

خطوة في الاتجاه الصحيح

يُعد البند 12ه من قانون الطاقة الألماني خطوة مهمة نحو تهيئة الظروف الإطارية اللازمة لتوفير خدمات تنظيم الجهد الكهربائي غير المعتمدة على التردد في شبكات النقل والتوزيع، وذلك على أساس السوق. ويكتسب هذا التوجه أهمية خاصة في ظل التراجع المستمر لنسبة الكتل الدوّارة (مثل المولدات التقليدية)، التي كانت تساهم تلقائيًا في استقرار الجهد داخل الشبكة. ويؤدي تغذية التيار الكهربائي الوهمي دورًا مهمًا في هذا الصدد. وقد تم تنظيمه حتى الآن من خلال عقود ثنائية بين مزودي الطاقة ومحطات توليد الطاقة. لكن الآن، تطالب الوكالة الفيدرالية للشبكات مشغلي شبكات الجهد العالي والجهد العالي جدًا بإنشاء سوق منظمة لهذا النوع من الطاقة، بحلول نهاية يونيو 2025. ومع التراجع التدريجي لمحطات التوليد التقليدية، يُطلب من منتجي الطاقة المتجددة أن يتحملوا مسؤولية توفير الطاقة الكهربائية الكاذبة كجزء من مشاركتهم في استقرار الشبكة. وقد بادرت شركة 50 هرتز، كأول مشغّل شبكة نقل في ألمانيا، بتطبيق نموذج الشراء السوقي للطاقة الكهربائية الزائفة في الأول من أبريل 2025. قسمت الشركة منطقة شبكتها إلى خمس مناطق شراء هي هامبورغ والشمال والوسط والجنوب الغربي والشرق. يأتي هذا التقسيم لأن تنظيم الجهد عبر الطاقة الكهربائية الكاذبة يجب أن يتم بشكل محلي دقيق، حسب احتياج كل منطقة إلى رفع أو خفض الجهد.

 

”نحن بحاجة إلى إدارة مختلفة للشبكات!“

”لذلك، نحن الآن – على الأقل – أمام مهمة واضحة، وهي ضمان الحفاظ على الجهد الكهربائي بشكل منسق على مستوى الشبكة بأكملها، ونحن بحاجة فعلاً إلى إدارة مختلفة للشبكة“، كما يؤكد الدكتور فيتي. ما يتطلب إعادة نظر جذرية في إدارة الشبكات هو أنه لا يمكن الاستمرار في نقل جميع البيانات من نقاط القياس إلى أنظمة التحكم المركزية، لأن ذلك يُنتج فيضًا من البيانات غير القابلة للإدارة. فعلى سبيل المثال، يمكن لبيانات مائة محطة شبكة محلية ذكية وحدها أن تستنفد قدرات الأنظمة المتاحة حاليًا في غضون ستة أشهر فقط – دون أن نأخذ في الاعتبار بعد محطات شحن السيارات الكهربائية. والأهم من ذلك، أن غالبية البيانات المجمعة لا تحمل أي فائدة عملية، إذ إن نحو 99.99% منها غير ذات صلة، ولا يمكن الاستفادة منها بشكل فعّال.

ما يجب فعله الآن

يقول الدكتور فيتي: "ما نحتاجه هو الحوسبة الطرفية في الموقع." يجب أن تتم معالجة البيانات بشكل ذكي مبدئيًا عبر بروتوكولات قياسية قابلة للاستخدام من قبل الجميع. لكنه يرى أن الكثير مما تم تنفيذه حتى الآن غير ضروري تمامًا.

"تُمنح شهادات للوحدات بناءً على اختبارات في ظروف معملية مثالية، لكن واقع التشغيل مختلف تمامًا. من المدهش أن يتصور البعض أن الأمور ستسير بشكل سليم بناءً على هذه الشهادات. ربما يرضي ذلك ضمير البعض ويمنحهم شعورًا بالأمان، لكن الحقيقة أن أداء المنشآت داخل الشبكة يختلف كليًا عن بيئة الاختبار. إن نقل الإجراءات القديمة إلى شبكة حديثة لا يعزز الحماية، بل يزيد من المخاطر!" ولذلك، يؤكد فيتي على أهمية تفسير شروط التوصيل الفنية استنادًا إلى معايير موحدة وواضحة على مستوى الاتحاد الأوروبي، قائلاً:"عندها فقط سيكون التنسيق أسهل بكثير. الأمر لم يعد يقتصر على التدخل المحلي للتحكم، بل الأهم من ذلك هو تهدئة الشبكة – وهذه هي الخطوة الأساسية."

ويضيف أن هذه التدابير لا يمكن أن تكون لمرة واحدة فقط، بل يجب أن يتم تحسين النظام بشكل مستمر ليواكب المتطلبات المتغيرة. ويختم بقوله: "يجب أن يكون الهدف هو وجود جهة مركزية قادرة على تنسيق جميع أجهزة التحكم – والأهم أن تكون هذه الأنظمة مفهومة للمشغلين، ولهذا السبب تعتبر المعايير الواضحة أمرًا بالغ الأهمية!"